باريس ـ للتخفيف من وقع اعتبار السلطات الفرنسية يوم الإضراب هو يوم من دون أجر بالنسبة للمحتجين على قانون إصلاح نظام التقاعد، عادت مجددا صناديق الإضراب للظهور لتقديم الدعم المالي والتخفيف من خسائر القوة الشرائية للمحتجين والمضربين عن العمل.
وتجتاح عددا من المدن الفرنسية احتجاجات للمرة العاشرة على نظام التقاعد ضد التعديل الذي طرحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما.
“من الصعب ترك العمل والمشاركة في الإضراب ضد قانون إصلاح المعاشات التقاعدية، أدافع عن مهنتي وعن مستقبل أبنائي وسأفعل كل ما يجب لتحقيق ذلك”، هذا ما قاله ميشيل، سائق شاحنة للجزيرة نت، خلال المظاهرات الحاشدة التي تشهدها عدة مدن فرنسية.
تبرعات بالملايين
ويعمل عدد من صناديق الإضراب على إدامة التظاهر ودعم القطاعات المختلفة المتضررة من خلال نظام تعويضات وطني يجمع تبرعات من الأفراد والشركات، لتعويض المضربين ماديا وتشجيعهم على مواصلة التعبئة.
ويوضح السكرتير الفدرالي للنقابات العمالية “سي جي تي” للخدمات العامة فرانسوا ليفارتوفسكي، في حديثه للجزيرة نت أن لكل نقابة صندوقها الخاص لكن جميعها لديها هدف مشترك.
ووفق الموقع الرسمي للاتحاد النقابي، فقد تم جمع نحو 3 ملايين يورو منذ العاشر من يناير/كانون الأول الماضي، ونحو 7 ملايين يورو منذ إنشاء صندوق الإضراب والتضامن في عام 2016 بإشراف النقابات الكونفدرالية العامة للشغل “سي جي تي”.
ويوم الخميس الماضي، تمكن الصندوق المشترك من تحطيم الرقم القياسي حيث جمع أكثر من 400 ألف يورو في يوم واحد بفضل 5 آلاف متبرع عبر الإنترنت أو بشيك أو تحويل بنكي.
وتأمل النقابات في تخطي حاجز 3.2 ملايين يورو التي تم جمعها خلال الاحتجاجات السابقة على إصلاح نظام التقاعد التي تم إجهاضها بسبب وباء كورونا في عام 2020.
ويبلغ احتياطي الاتحاد الفرنسي الديمقراطي للشغل (CFDT) والصندوق الكونفدرالي لنقابة القوى العاملة حوالي 150 مليون يورو، وفق وسائل إعلام فرنسية، تخفف من عبء خسارة الدخل للموظفين الذين يتوقفون عن العمل لقيادة المظاهرات ضد الإصلاح الحكومي.
صندوق الإضراب والتضامن
صندوق الإضراب والتضامن وفقا لقانون الجمعيات الفرنسي لعام 1901، يساعد الموظفين الذين يعانون من التمييز ويهدف إلى إحياء معنى التضامن من أجل الدفاع عن حقوق العمال في فرنسا، ويستفيد من الصندوق 3 فئات من المجتمع هم:
- المشاركون في إضراب قابل للتجديد ضد قانون يؤثر على جميع الموظفين أو اتفاق مهني وطني.
- المشاركون في إضراب قابل للتجديد في شركة محلية.
- ضحايا التمييز النقابي أو النشطاء الملاحقون.
وقد برز الصندوق في نهاية مايو/أيار 2016 خلال حركات الإضراب القابلة للتجديد المرتبطة بقانون العمل في فرنسا، حيث تمكن من جمع حوالي 555 ألف يورو.
وتشرف نقابة الكونفدرالية العامة للشغل “سي جي تي” -النقابة العمالية الأبرز- على عمل هذا الصندوق الذي يتسم بالشفافية والديمقراطية إذ يمكن لجميع الموظفين الاستفادة منه، سواء أكانوا نقابيين أم غير نقابيين، مع إصدار تضامن مالي خلال يومين فقط من المصادقة على طلب المساعدة.
أداة للنضال
وفي تصريحات خاصة للجزيرة نت، كشف منسق صندوق الإضراب في النقابات المشتركة وعضو في “سي جي تي” رومان ألتمان، أن “التبرعات تدفقت بشكل كبير منذ إعلان حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون تبني المادة 49.3 من الدستور الفرنسي دون تصويت لتمرير قانون إصلاح التقاعد”.
وقال ألتمان إن هذه التبرعات لا تقتصر على مساعدة أعضاء النقابات فقط، ولكن أيضا الأعضاء غير النقابيين الذين أضربوا عن العمل ليومين متتالين على الأقل، معتبرا أنها جزء من “إستراتيجية من النضال المالي”.
ويذكر أن نظام التقاعد المثير للجدل أشعل النيران في شوارع العاصمة باريس ومدن أخرى، في ظل احتجاج اجتماعي متماسك للنقابات التي تشجع المضربين على التنازل عن رواتبهم للخروج والإعراب عن رفضهم.
وبالنسبة للشركات التي تمتلك نقابات خاصة بها تقدم طلبا إلى الصندوق لتقييم المبلغ الذي سيتم تخصيصه لموظفيها وفقا لعدد المضربين منهم وعدد أيام الإجازة، ثم تقوم النقابات بالتوقيع على ميثاق من أجل احترام الالتزامات، لا سيما الشفافية في معاملاتها، للصندوق.
كما يولي هذا النظام أهمية لأصحاب الأجور المنخفضة ويعالج الطلبات الفردية في حالة عدم وجود نقابة خاصة للشركة التي يعمل فيها الفرد.
وأضاف منسق صندوق الإضراب في النقابات المشتركة وعضو في “سي جي تي” أن “التحدي يكمن في الاستمرار في النضال وجعل الحكومة تنسحب من فرض قانون التقاعد بشكل نهائي”.
صناديق مختلفة
تعتبر آلية الاتحاد الفرنسي الديمقراطي للشغل، وهو اتحاد مهني إصلاحي للنقابات العمالية الفرنسية منذ عام 1973، مختلفة تماما عن “سي جي تي”، لأن أعضاء النقابة هم من يساهمون في الصندوق إذ يتم دفع 8.6% من مساهمات كل عضو في صندوق الإضراب الدائم.
وبعد نصف قرن من إنشائه، أصبح أول اتحاد للعاملين في القطاع الخاص لديه صندوق بقيمة 141 مليون يورو يستخدم لتمويل أيام إضراب أعضائه (6 أشهر عضوية على الأقل) للاستفادة منه.
وعند مشاركة الاتحاد في الإضراب فيمكن للموظف المضرب الذي انخفض راتبه بسبب الإضراب الحصول على تعويض، وهو ما يعادل 7.70 يوروهات لكل ساعة عمل بدوام كامل، مع الإشارة إلى أن صافي الحد الأدنى للأجور في فرنسا يبلغ 9 يوروهات للساعة.
ويوضح فريديريك نيكولا، الأمين العام لنقابة القوى العاملة (FO)، أن “تكلفة المظاهرات باهظة على الجميع لكن يمكننا تحملها ومواصلة التعبئة بفضل صندوق عمل الاتحاد الوطني الديمقراطي للشغل، مشيرا إلى أن “المضرب عليه تقديم إيصال راتبه الذي يثبت أنه كان غائبا عن العمل يوم الإضراب ليحصل على تعويض بنحو 7 يوروهات للساعة”.
وتجدر الإشارة إلى أن حزب “فرنسا الأبية” يمتلك صندوق إضراب خاصا استطاع تحصيل نحو 700 ألف يورو منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، بالإضافة إلى صناديق تضامنية أخرى وفروع محلية للنقابات مثال عمال السكك الحديدية والطاقة، وفيما يخص سائقي شاحنات النظافة في باريس المضربين منذ أكثر من 3أسابيع، جمعوا أكثر من 50 ألف يورو منذ بداية الإضراب.