خلال فصل الشتاء، استهدفت روسيا البنية التحية في المدن الأوكرانية، بخاصة منشآت الطاقة التي تعرضت لقصف مكثف بالصواريخ وطائرات الكاميكازي الروسية المسيرة.
لكن رغم الغارات الروسية التي كان آخرها في 9 مارس/آذار الجاري، فإن الكهرباء في المدن الأوكرانية كانت سرعان ما تعود للعمل. فكيف تمكن الأوكرانيون من الصمود خلال الشتاء وكسب معركة الطاقة التي لم يكن كثيرون يظنون أنهم سيكسبونها؟
يشير تقرير نشرته مجلة “إيكونوميست” (Economist) البريطانية إلى أن المرحلة الأولى من حملة القصف الروسية التي استهدفت البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا استهدفت مئات من محولات الكهرباء ذات الجهد العالي.
وتكمن خطورة حملة استهداف البنية التحتية للطاقة خلال الشتاء في كون غياب الكهرباء يعني عدم وجود الغاز والماء، وتعطل الصرف الصحي، وعدم وجود تدفئة، وذلك ما جعل البعض يتوقع أن تتجمد المدن وأن تشهد أوكرانيا أزمة إنسانية تدفع بملايين اللاجئين إلى خارج حدود البلاد، وفق المجلة.
لكن ذلك لم يحدث بفضل عوامل لخصها تقرير المجلة في الاستعداد الجيد والحظ والتفكير السريع وأنظمة الدفاع الجوي الجديدة التي وصلت إلى أوكرانيا في الوقت المناسب. وقد قتل في تلك الهجمات أكثر من 100 شخص من العاملين في مجال الطاقة بأوكرانيا.
عندما غرقت كييف في الظلام
وتشير المجلة إلى أن أحلك أيام تلك الحملة بالنسبة للأوكرانيين كانت في أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، عندما أمطر الروس البنية التحتية للعاصمة بوابل من الصواريخ بلغ عددها 67 صاروخًا في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، مما تسبب في توقف نظام الكهرباء في المدينة على نحو تلقائي لحماية نفسه.
لقد تسببت الهجمات في قطع الكهرباء بالكامل عن كييف لعدة ساعات وفق سيرهي كوفالينكو، الرئيس التنفيذي لشركة “ياسنو” التي تزود العاصمة بالكهرباء. ولم يكن من الواضح متى ستعود شبكة الكهرباء للعمل، وإذا كان بإمكان الشبكة التالفة نقل التيارات الضرورية عندما تعود للعمل.
كان هناك حديث عن أن المدينة ستضطر إلى تصريف المياه الموجودة في أنظمة التدفئة، خوفا من تجمدها في الأنابيب ومن ثم تصدعها.
وتنقل المجلة عن كوفالينكو قوله تعليقا على تلك الأيام الصعبة “كانت تلك لحظة مخيفة حقا؛ لم نكن نعرف إذا كان الأمر سيستغرق ساعات أو أياما أو حتى أسابيع. كنا سعداء عندما عادت الشبكة للعمل ببطء في وقت لاحق من اليوم نفسه”.
“لعبة شطرنج مميتة”
وقالت “إيكونوميست” إنه مع استمرار الحملة الروسية، أصبح الأوكرانيون أكثر مهارة في التصدي للقصف الجوي وإصلاح الأضرار التي يخلفها على الأرض. ونقلت عن يوري إحنات، العقيد في قيادة القوات الجوية الأوكرانية، قوله إن العملية أصبحت الآن تشبه لعبة شطرنج تنطوي على خطر الموت، “فالعدو يحاول خداعنا، ونحن نحاول خداعه”.
ويسعى الروس إلى تحديد مواقع الدفاعات الجوية الأوكرانية وتدميرها باستخدام كل الأدوات المتاحة لهم بما في ذلك طائرة الإنذار المبكر من طراز “A-50” التي تكشف منصات إطلاق الصواريخ الأوكرانية، وكذلك من خلال الطائرات المسيرة، والأقمار الصناعية، وشبكة من الجواسيس.
وتتصدى أوكرانيا لذلك بأساليبها الخاصة التي من ضمنها خدع حربية من قبيل نصب منصات وهمية لإطلاق الصواريخ، وإبقاء وسائل الدفاع الجوي في حركة مستمرة قدر الإمكان.
وأبرزت المجلة أن الكهرباء لم تنقطع عن كييف طوال 4 أسابيع خلال المدة الأخيرة قبل الهجوم الصاروخي الروسي الأخير في 9 مارس/آذار الجاري، والذي كان الهجوم الـ15 منذ بداية الشتاء، وأن المهندسين الأوكرانيين تمرسوا الآن على إصلاح الشبكة على نحو أسرع كلما تعرضت للقصف.
وخلصت إلى أن الهجمات الروسية مثلت اختبارا للقائمين على قطاع الطاقة في أوكرانيا هذا الشتاء، لكن عودة الكهرباء إلى أغلب مدن البلاد بسرعة تعني أن أوكرانيا لا تزال تكسب معركة تاريخية لم يتوقع سوى قلة أن تنتصر فيها.