واشنطن- قبل أسبوعين من الانتهاء المؤقت لأزمة “إصلاح النظام القضائي في إسرائيل”، طاف عدد من كبار ضباط الاحتياط بالجيش الإسرائيلي ممن لا تجمعهم أية ولاءات حزبية، مراكز صنع القرار بالعاصمة الأميركية، لإطلاع حليف إسرائيل الأهم على مخاطر السماح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتمرير خطة التشريعات الجديدة.
وخلال عدة وقفات في مراكز الأبحاث الهامة ومكاتب المنظمات اليهودية وعدد من مكاتب قادة الكونغرس، ختم الوفد الزائر جولته بوزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين، وذلك قبل أن يقابل عددا من مساعدي الرئيس جو بايدن بمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض.
ترحيب وتفهّم
وعلمت الجزيرة نت من مصادر شاركت بهذه الاجتماعات، أن رسالة الوفد الإسرائيلي المناوئة لتوجهات نتنياهو لاقت ترحيبا وتفهما، مع تعهّد بالضغط بكل السبل المتاحة على حكومته لتعطيل التشريعات التي تسمح بالسيطرة على القضاء.
وتنفست واشنطن الصعداء بعدما أرجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي، الاثنين الماضي، ولمدة شهر على الأقل، محاولته لتغيير طريقة تعيين القضاة في المحكمة العليا الإسرائيلية، بعدما تسببت مظاهرات هي الأكبر في التاريخ الإسرائيلي، في شل الحياة الاقتصادية.
واستغرب المراقبون رد فعل بايدن على تراجع نتنياهو، إذ قال بايدن للصحفيين أمس إنه “قلق للغاية” بشأن مقترحات إصلاح القضاء. وأضاف أنه لا توجد خطط على المدى القريب للولايات المتحدة لدعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض، ردا -على ما يبدو- على تصريح مرتجل للسفير الأميركي في إسرائيل بأنه يمكن دعوة نتنياهو قريبا.
ودفع ذلك نتنياهو للرد في بيان جاء فيه أن “إسرائيل دولة ذات سيادة تتخذ قراراتها بإرادة شعبها وليس بناء على ضغوط من الخارج، حتى من أفضل الأصدقاء”.
ويشير أغلب الخبراء إلى أن المواجهة بين نتنياهو وبايدن لن تؤثر على مستقبل التعاون الضخم بين الدولتين، ولا على استمرار تلقي إسرائيل أكثر من 3 مليارات دولارات سنويا، إضافة لأحدث ما في الترسانة الحربية الأميركية من أسلحة.
حدود التأثير الأميركي
في حين أن الضغط الأميركي لم يكن هو الذي دفع نتنياهو إلى تغيير مساره، إلا أن إدارة بايدن لم تقف على الهامش عندما بدأت الأزمة الداخلية في إسرائيل في التصاعد.
على العكس من ذلك، ظل المسؤولون الأميركيون على اتصال دائم مع حلفائهم الإسرائيليين، وضغطوا عليهم سرا في الغالب، وعلنا في بعض الأحيان، للتراجع عن خطة من شأنها أن تجعل من الصعب على إسرائيل الاستمرار في وصف نفسها على أنها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، وستضر بالعلاقات مع أقوى حليف لها.
علاقة خاصة وقديمة
يقول آرون ديفيد ميلر، وهو زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي وخبير في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إن بايدن “كان بطيئا في التكيف مع حقيقة أن هناك بنيامين نتنياهو جديد”، وهو سياسي أكثر يمينية وأقل حذرا مما واجهه الرئيس في الماضي.
وقال ميلر إن “الغضب والإحباط الذي يتراكم داخل الإدارة الأميركية حقيقي”، وقد يعامل بايدن في المستقبل نتنياهو كرئيس وزراء تحت المراقبة.
وتجمع بايدن ونتنياهو علاقات خاصة وقديمة، وكثيرا ما كرر بايدن مقولة “أحب بيبي، لكنني لا أحب بعض سياساته”. ويُعد الرئيس جو بايدن من أكثر الرؤساء الأميركيين دعما لإسرائيل على مدار التاريخ، ويبدو ذلك بوضوح عند النظر لسجله التصويتي خلال سنوات عضويته بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، أو عندما كان نائبا للرئيس باراك أوباما.
ويدرك بايدن مدى شعبية إسرائيل في الولايات المتحدة، التي قدّرها معهد بيو للأبحاث مؤخرا بما يزيد عن 55% بين الناخبين الأميركيين، في وقت تشير فيه استطلاعات الرأي الأخيرة لبقاء شعبية بايدن عند 42% بين الناخبين الأميركيين.
وكان لانخراط الرئيس الأميركي جو بايدن المبكر، قبل نصف قرن، في العمل السياسي دور في تشكيل سجل طويل من المواقف تجاه جولات “الصراع العربي الإسرائيلي”. ويكشف هذا السجل عن التزامه القوي بحماية أمن إسرائيل، وتعزيز الشراكة الأميركية الإسرائيلية.
ومنذ رحلته الأولى إلى إسرائيل عام 1973، قبل وقت قصير من حرب أكتوبر/تشرين الأول، كان التزام بايدن بأمن إسرائيل لا يتزعزع. وخلال سنوات عمله سيناتورا عن ولاية ديلاوير، ساعد في ضمان الدعم الثابت لأمن إسرائيل أيضا.
وقاتل بايدن في مجلس الشيوخ لضمان حصول إسرائيل على أكبر قدر من المساعدات، وكثيرا ما وصف تقديم المساعدات المالية الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل بأنها “أفضل استثمار نقوم به بقيمة 3 مليارات دولار”. بينما عارض دائما مبيعات الأسلحة المتقدمة لجيران إسرائيل.
وخلال إدارة الرئيس باراك أوباما، التي خدم فيها بايدن نائبا للرئيس 8 سنوات، كان مدافعا رئيسيا عن تأمين الدعم للأنظمة التكنولوجية العسكرية الإسرائيلية المتقدمة، مثل نظام “القبة الحديدية” المضاد للصواريخ، إضافة لنظام “أرو 3” الدفاعي.
وبعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة عقب موجة انتهاكات واسعة في القدس، قال الرئيس الأميركي إنه يأمل أن “يتم إنهاء التوتر في الشرق الأوسط عاجلا لا آجلا”، مؤكدا ما اعتبره “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في وجه آلاف الصواريخ التي تسقط عليها”.
توترات وخلافات
ومنذ إعادة انتخاب نتنياهو في الخريف الماضي، كانت هناك سلسلة من المواجهات مع البيت الأبيض تظهر أنهما لم يكونا على الصفحة نفسها بشأن الخطط الإسرائيلية لتوسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية واستخدام إسرائيل “للقوة المفرطة” ضد الفلسطينيين.
وتتعرض إدارة بايدن لضغوط من الديمقراطيين التقدميين لمعاقبة إسرائيل على سياساتها التي تؤثر على الفلسطينيين، وعبرت جماعات يهودية أميركية عن قلقها بشأن مقترحات نتنياهو لـ”إصلاح القضاء”.
وحاول نتنياهو التغطية على الخلاف مع إدارة بايدن في خطابه الذي ألقاه عن بُعد، الأربعاء، أمام قمة إدارة بايدن من أجل الديمقراطية، قائلا إن “التحالف بين أعظم ديمقراطية في العالم وديمقراطية قوية وفخورة ومستقلة -يقصد إسرائيل- في قلب الشرق الأوسط لا يتزعزع”.
في وقت لاحق الأربعاء، شدّد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، على العلاقات الودية الطويلة بين البلدين وبين بايدن ونتنياهو، اللذين قال إنهما يعرفان بعضهما منذ 40 عاما. وقال إن الولايات المتحدة سعيدة بتعهدات نتنياهو بالتفاوض مع معارضي مقترحاته القضائية.
