نيودلهي ـ للسنة الخامسة على التوالي جاءت الهند في مقدمة دول العالم من حيث قطع الإنترنت، حسب تقرير لمنظمة “أكسيس ناو” (Access Now) الأميركية التي تدرس الرقابة على الإنترنت عبر العالم.
وقال تقرير المنظمة إن الإنترنت قطع 187 مرة في دول العالم خلال سنة 2022، منها 84 مرة في الهند وحدها وهي أعلى نسبة في العالم، وقد أدى ذلك إلى خسارة اقتصادية بلغت 2.8 بليون دولار في العام الماضي.
وأضاف تقرير “أكسيس ناو” أن أغلب حالات القطع في الهند وقعت في إقليمي جامو وكشمير، مشددا على أن الإنترنت قطع عن الإقليم بسبب العنف وعدم الاستقرار السياسي، بينما تزعم السلطات الهندية أن الاستقرار السياسي والأمني قد استتبّ بالإقليم بعد إلغاء حكمه الذاتي وفق المادة 370 من الدستور الهندي التي قررت الحكومة الهندية إلغاءها في أغسطس/آب 2019.
وفي عام 2021 كان نصيب إقليم كشمير 80% من حالات قطع الإنترنت في الهند، أي بواقع 85 قطعا من مجموع 106 حالات قطع في الهند خلال تلك السنة، وليس هذا فقط بل قامت الحكومة الهندية ـوفقا للتقريرـ بإغلاق أكثر من 55 ألف موقع على الإنترنت وتطبيقات الهاتف النقال وحسابات التواصل الاجتماعي خلال الفترة من 2015 إلى 2022، حيث تستخدم الحكومة الهندية قطع الإنترنت كسلاح للسيطرة.
قطع الإنترنت 6 أشهر
وكان إقليم كشمير قد تعرض لأطول قطع للإنترنت في أعقاب إلغاء استقلاله الذاتي في أغسطس/آب 2019 حين استمر القطع حتى 25 يناير/كانون الثاني من السنة التالية (2020)، وشمل قطع خطوط الهاتف النقال أيضا، مما تسبب في عزل الإقليم عن العالم بصورة كاملة طوال 6 أشهر.
وكان ذلك لفرض تعتيم إعلامي شامل على الإقليم في أعقاب تعطيل الحياة السياسية به وسجن أغلب السياسيين والناشطين الكشميريين أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية، وذلك رغم قرار المحكمة العليا عام 2020 بأن التمتع بالإنترنت حق أساسي للمواطن الهندي، وأن قطع الإنترنت لا يمكن أن يكون بلا نهاية، وأن كل قرار بقطع الإنترنت لا بد أن ينشر متضمنا سبب القطع.
وجاءت الهند في مقدمة حالات قطع الإنترنت في العالم سنة 2022 بنصيب 84 قطعا، تليها أوكرانيا (22)، وإيران (18)، وميانمار (7)، وبنغلاديش (6)، وأفغانستان وبوركينا فاسو وكوبا وروسيا جميعها بحالتي قطع.
الخسائر الاقتصادية
كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد قال في خطابه، وهو يعلن إلغاء المادة 370 في أغسطس/آب 2019، إن هذا الإجراء سيفتح الأسواق أمام البضائع الكشميرية ولكن الذي حدث هو العكس، فالإغلاق التام للإنترنت وخدمات الهاتف الجوال في الأشهر الأولى عقب إلغاء الاستقلال الذاتي ثم الإغلاق التام الذي دام أشهرا بسبب جائحة كورونا قصما ظهر الاقتصاد الكشميري.
ويقول الخبير الاقتصادي الكشميري إعجاز أيوب -في حديث للجزيرة نت- إن قطاعات الخدمات والتجارة الاستهلاكية والزراعة والنقل والصناعة والسياحة تأثرت بشدة بإغلاق الإنترنت التام في هذه المدة، تلاها الإغلاق التام الذي استمر شهورا بسبب جائحة كورونا، فكان لذلك أبلغ الأثر في تدنّي الاقتصاد الكشميري، ومن ثم ارتفاع نسبة البطالة في كشمير خلال هذه الفترة إلى نحو 28%، وهي نسبة بلغت 4 أضعاف معدل البطالة في بقية أنحاء الهند في الفترة نفسها.
وأضاف أيوب أن ذلك أدى أيضا إلى إفلاس شركات كثيرة وتوقف مصانع وعجز التجار وأصحاب المصانع عن دفع الديون التي استدانوها من البنوك، ليفضي ذلك إلى تأثر 1.2 مليون أسرة كشميرية من تبعات هذه الخسائر.
وقد قدّر حجم خسائر الاقتصاد الكشميري في الأشهر الأولى -حسب دراسة شارك في إعدادها الخبير الاقتصادي إعجاز أيوب- بـ409430 مليون روبية (نحو 5 مليارات دولار بالأسعار الحالية)، وأدى هذا إلى انكماش الاقتصاد الكشميري بنسبة 25.8%.
مساعدات حكومية
وأكد رئيس الغرفة التجارية والصناعية لكشمير السابق شيخ عاشق وقوع خسائر جمة للاقتصاد الكشميري، مضيفا أن الحكومة قدمت مساعدات بقيمة 13500 مليون روبية (164 مليون دولار بالأسعار الحالية) كما قامت البنوك بالإعفاء من الفوائد على الديون التي عجز أصحابها عن الدفع.
وقال شيخ عاشق -في تصريح للجزيرة نت- إن الأمور قد بدأت تعود لمجراها الآن ولم يحدث إغلاق طويل الأمد للإنترنت في السنتين الماضيتين، لافتا إلى أن القطاعات التي تأثرت أكثر من غيرها هي تلك التي كانت تعتمد على الإنترنت لبيع البضائع والخدمات وتصديرها.
أما رئيس الغرفة التجارية والصناعية لكشمير الحالي جاويد أحمد بهات فقال إن قطاعات المنتوجات اليدوية والسياحية قد استعادت عافيتها الآن، ولكن القطاع التجاري لا يزال يعاني من مشكلات.
وأضاف -في تصريح للجزيرة نت- أنه سيعقد عما قريب اجتماعا مع حاكم كشمير مانوج سينها، متوقعا إعلان الحكومة عن باقة جديدة من المساعدات للنهوض بالاقتصاد الكشميري.
وقطع الإنترنت عن الإقليم أدى إلى فصله عن بقية الهند والعالم وأثر في كل القطاعات وخصوصا التعليم والتجارة والإعلام، إذ يدوم القطع في كل مرة أسابيع وشهورا، بينما في الأماكن الأخرى داخل الهند يكون القطع يومين أو 3 أيام عقب وقوع اضطراب أو مظاهرات، ومن أهم أهداف السلطات الهندية من وراء قطع الإنترنت عن إقليم كشمير عدم السماح بنشر أخبار الإقليم إلى العالم.
صحفيو كشمير
يقول عدد من الصحفيين الكشميريين إن السياسات الجديدة التي تنفذ في الإقليم منذ سنة 2019 قد كبحت الحرية الصحفية وفصلت الإقليم عن العالم.
وترى رئيسة تحرير جريدة “كشمير تايمز” أنورادها بهاسين أن “قطع الإنترنت أو تقليل سرعته هو الوضع المعتاد في كشمير الآن، ولا يتمتع المواطنون بأي سبيل قانونية لمقاومته، والنتيجة هي أن الأخبار لا تخرج من الإقليم والناس مجبرون على قبول هذا الوضع الجديد.
وقد شمل قطع الإنترنت قيودا على تحركات الصحفيين داخل الإقليم كما وضع كثير من الصحفيين وناشطي حقوق الإنسان على قوائم الممنوعين من السفر إلى الخارج، ولا يسمح للصحفيين الأجانب وممثلي منظمات حقوق الإنسان الدولية والأجنبية بزيارة كشمير.
وقد سهّل التعتيم الإعلامي ـوفقا لمراقبين- إجراءات قمع غير عادية مثل طرد الموظفين الكشميريين في إدارات الحكومة المحلية بتهمة تعاطفهم مع الحركة الانفصالية، وعدم إعطاء جوازات السفر للكشميريين وحتى لكبار الشخصيات، فضلا عن التلاعب في ديمغرافية كشمير بإعطاء التابعية الكشميرية لمئات الألوف من غير الكشميريين، وبدأت الحكومة بيع وتخصيص الأراضي لغير الكشميريين وهدم آلاف البيوت التابعة للكشميريين بحجة أنها غير مرخصة أو أنها مبنية على أراضي الدولة.