الخرطوم– بعد أسابيع من الخلافات والتصعيد، التقى رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان نائبَه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” ما أدى إلى تراجع التوتر في الخرطوم وفتح الباب لإنعاش العملية السياسية بعد جمود طويل إثر التباين في مواقف المكون العسكري إزاء الوضع السياسي.
وقالت مصادر أمنية للجزيرة نت إن لقاء البرهان وحميدتي جاء بعد تحركات من قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية لتطويق الخلافات، خوفا من خروجها عن السيطرة وانزلاق البلاد إلى العنف، حيث أجرت القيادات العسكرية لقاءات مع الرجلين بعد تعثر مساعٍ بذلها ساسة وزعماء قبائل.
وأكدت المصادر أن لقاء الرجل الأول في الدولة نائبَه لم يكن طويلا، حيث ركّز على خطوات عملية لخفض التوتر وتجاوز نقاط الخلاف فيما يتعلق بدمج قوات الدعم السريع وتوسيع العملية السياسية لتشمل طيفا سياسيا واسعا من أجل ضمان إيجاد دعم سياسي للحكومة المدنية التي ستشكل لاحقا إثر توصل القوى السياسية لاتفاق نهائي يمكنها من مجابهة التحديات المعقدة في البلاد.
وأفادت المصادر نفسها أن قيادة الجيش طالبت قوات الدعم السريع بوقف التجنيد والتوسع وإعادة نحو 30 ألفا من القوات التي جاءت من إقليم دارفور إلى العاصمة الخرطوم خلال الأسابيع الماضية، فضلا عن أن القوات المسلحة توصلت إلى رؤية بشأن الإصلاح الأمني والعسكري وفق الترتيبات الأمنية لاتفاق جوبا لسلام السودان الموقع عام 2020، مقترحة دمج قوات الدعم السريع خلال 30 شهرا قبل نهاية المرحلة الانتقالية، وإجراء الانتخابات في البلاد تزامنا مع دمج وتسريح قوات الحركات المسلحة.
لجنة أمنية مشتركة
وعقب لقاء البرهان وحميدتي، قال مجلس السيادة -في بيان- إنهما ناقشا الأوضاع السياسية والأمنية، وخلص الاجتماع إلى تشكيل لجنة أمنية مشتركة من القوات النظامية وأجهزة الدولة ذات الصلة وحركات الكفاح المسلح من أجل متابعة الأوضاع الأمنية في البلاد، كما أشار البيان إلى أن اللقاء استعرض سير العملية السياسية وضرورة المضي في الترتيبات المتفق عليها.
وكانت القوات المسلحة قد أصدرت بيانا قبل ساعات من لقاء البرهان وحميدتي أكدت فيه التزام الجيش وقيادته بالاتفاق الإطاري الذي يوحّد المنظومة العسكرية ويشكّل حكومة مدنية.
وعلى إثر ذلك، رحبت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري ببيان الجيش ووصفته بالإيجابي، وقالت إنه يدفع باتجاه تحقيق التحول الديمقراطي، ويُحفّز الأطراف المختلفة على تجاوز خلافاتها بشأن الفترة الانتقالية.
حكومة تصريف أعمال
وكانت العملية السياسية في البلاد قد شهدت جمودا خلال الأسابيع الماضية بسبب تقاطع المواقف بين البرهان وحميدتي الذي بات قريبا من تحالف قوى “الحرية والتغيير- جناح المجلس المركزي”، التي وقعت اتفاقا إطاريا مع المكون العسكري من جهة، وبين القوى الموقعة على الاتفاق وقوى “الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية” من جهة أخرى، إذ رغم توصل الطرفين إلى تفاهم لإصدار إعلان سياسي؛ فإن الخلاف بينهما كان حول من يحق له التوقيع.
وتطالب قوى “المجلس المركزي” بأن يوقع رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، وزعيم حركة العدل والمساوة جبريل إبراهيم ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي بالوكالة جعفر الميرغني على الإعلان السياسي، في الوقت الذي يتمسك الثلاثة بتوقيع كل فصائل الكتلة الديمقراطية على الإعلان.
من جهته، قال المتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر إن “الكتلة الديمقراطية” طلبت مهلة قبل التوقيع على الإعلان السياسي وإن المهلة انتهت، موضحا أنهم لن ينتظروا إلى ما لا نهاية، حيث إن ظروف البلاد لا تحتمل مزيدا من التباطؤ، وفق قوله.
في السياق، قال مسؤول في القصر الرئاسي للجزيرة نت إن البرهان لوّح خلال لقائه بعض ممثلي الآلية الثلاثية الأممية الأفريقية -التي ترعى الحوار بين الفرقاء السودانيين- أنه لا يمكن تشكيل حكومة إلا بعد توافق القوى السياسية.
وعزا ذلك إلى أن أي حكومة من أطراف محدودة ستؤدي إلى تصاعد الاستقطاب السياسي وولادة حكومة هشة لا تستطيع التصدي لأزمات البلاد، وفي حال عجز القوى السياسية، فإن الخيار المتاح يتمثل بتشكيل حكومة تصريف أعمال لإدارة البلاد ووقف التدهور الأمني والاقتصادي إلى حين اتفاق القوى السياسية.
رفض قوى الحرية
في غضون ذلك، يرى المتحدث باسم قوى “الحرية والتغيير- المجلس المركزي” شهاب إبراهيم أن تشكيل حكومة تصريف أعمال غير وارد ولم يطرح في لقاءاتهم أو في أروقة التحالف، مضيفا للجزيرة نت أنه في حال تشكيل حكومة تصريف الأعمال، فإن الأوضاع في البلاد ستكون أسوأ مما هي عليه الآن.
وعزا ذلك إلى أن حكومة تصريف الأعمال ستكون سلطة هشة، مبينا أن إعلان الحكومة المدنية رهين بالفراغ من الورش التي ستناقش قضايا العدالة الانتقالية والإصلاح الأمني والعسكري والتوصل إلى اتفاق نهائي واعتماد وثيقة دستورية لإدارة البلاد خلال الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية.
وعن لقاء البرهان وحميدتي، توقع إبراهيم أن يسهم بصورة إيجابية في تحريك العملية السياسية وإنعاشها والتوصل إلى حل سياسي في وقت قريب ووقف الشائعات عن اقتراب الصراع العسكري ودخول البلاد في مرحلة حرب جديدة، معتبرا أن قضية الإصلاح الأمني والعسكري ركيزة أساسية في العملية السياسية ولا يمكن معالجتها في ظل خلاف بين المكون العسكري، مبديا ثناءه على بيان القوات المسلحة والتزامها بالعملية السياسية ومبيّنا أنه يعكس قدرا كبيرا من المسؤولية التي يحظى بها الجيش السوداني.
في المقابل، قال المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة “التيار” عثمان ميرغني إن الأزمة السياسية تضرب الأسرة السودانية بعمق، فقد باتت لا تقدر على مواجهة تكاليف الحياة مع غياب أو ضعف الخدمات الحكومية.
وطالب ميرغني بالشروع فورا في تشكيل حكومة تصريف أعمال مهمتها مؤقتة لا تزيد على 3 أشهر، تعيد للسودان علاقاته الطبيعية مع المجتمع الدولي، وتستعيد الشراكات التي بدأت في عهد الحكومتين الانتقاليتين الأولى والثانية برئاسة عبد الله حمدوك، حتى لا يضيع مزيد من الوقت في معركة سياسية مجهولة الأمد.
ودعا ميرغني قوى “الحرية والتغيير- جناح المجلس المركزي” وقوى “الكتلة الديمقراطية” إلى تشكيل حكومة تصريف أعمال من شخصيات وطنية مقبولة تحظى بثقة الشارع السوداني لإدارة العملية السياسية من حيث انتهت، وبموافقة أكبر طيف سياسي ومجتمعي وبدعم المجتمع الدولي والإقليمي.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح ميرغني أنه من الممكن التوافق على رئيس وزراء يحظى بإجماع غالبية الشعب، وذلك وفق تكليف وتفويض محدد وواضح وقصير المدى، على أن يترك له اختيار الوزراء بالمعايير ذاتها.