واشنطن – بالتزامن مع تزايد التوتر العسكري في سوريا، يبدو أن دوائر الحكم الأميركية باتت ترى الأزمة السورية في مفترق طرق للصراع في الشرق الأوسط.
يأتي ذلك بعدما توعد الرئيس الأميركي جو بايدن بإجراءات إضافية لوقف الهجمات التي تستهدف القواعد الأميركية في سوريا، في حين هددت طهران بالرد عقب القصف الأميركي لمجموعات موالية لها هناك.
وتتعرض القواعد الأميركية في شمال شرقي سوريا لهجمات بالصواريخ والطائرات من دون طيار من ناحية، ومن ناحية أخرى بدأت روسيا تحليق مقاتلات مسلحة فوق القواعد الأميركية هناك، التي يوجد فيها ما لا يقل عن 900 جندي أميركي.
ويشعر الإيرانيون بأنهم إذا تمكنوا من إلحاق خسائر كافية بالمواقع الأميركية، فإن إدارة بايدن ستغادر سوريا كما فعلت مع أفغانستان، كما يشعر الأميركيون بأنهم إذا ردوا بطريقة قوية فسيكون ذلك رادعا لإيران عن مزيد من الهجمات.
في هذا السياق، يرى البروفيسور في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني الأميركية جودت بهجت أنه “لا جديد في هذه الاشتباكات الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا، ولا ينبغي للمرء أن يقرأها كثيرا”، وفق حديثه للجزيرة نت.
في حين أكد منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي أن بلاده لا “تسعى إلى حرب مع إيران، نحن لا نبحث عن صراع مسلح مع ذلك البلد أو حرب أخرى في المنطقة، نحن نسعى لحماية مهمتنا في سوريا، والتي تتعلق بهزيمة تنظيم الدولة”.
الحد من البصمة الأميركية في المنطقة
بدورها، تقول الخبيرة بالشؤون الإيرانية في معهد ستيمسون بواشنطن باربرا سلافين -للجزيرة نت- إنها ليست متأكدة من السبب الذي أثار الاشتباكات الأخيرة، لكن “إيران سعت منذ مدة طويلة إلى الحد من البصمة العسكرية الأميركية في المنطقة، ويبدو أنها وافقت على وجود 2500 مدرب أميركي في العراق، لكن المليشيات المدعومة من إيران تلاحق على نحو متزايد الوحدة الأميركية الصغيرة من القوات في سوريا”.
وفي جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الخميس الماضي، قال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال إريك كوريلا إن إيران ووكلاءها أطلقوا طائرات من دون طيار أو صواريخ 78 مرة على القوات الأميركية منذ بداية عام 2021، أي ما يقرب من هجوم واحد كل 10 أيام.
ويعتقد المسؤول السابق بالبنتاغون والمحاضر في كلية الدفاع الوطني بواشنطن ديفيد دي روش أن “إيران لم تخف رغبتها في رؤية الولايات المتحدة تغادر منطقة الشرق الأوسط بأكملها”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول روش إن “الوجود الأميركي في سوريا -التي تحولت إلى دولة عميلة لإيران- يثير غضب الإيرانيين بشكل خاص، حيث يمنع الوجود الأميركي الإيرانيين من إنشاء جسر بري من إيران عبر العراق وسوريا نحو حزب الله في لبنان، كما يمنع نظام بشار الأسد من تصفية المعارضة السورية في منطقة جيب التنف”.
ويضيف “يشعر كل من الإيرانيين ونظام الأسد بأن قوات سوريا الديمقراطية الكردية ستنهار بسرعة في غياب الدعم الأميركي، وذلك يسمح للأسد باستعادة المحافظات المنتجة للنفط، وتصوير نفسه على أنه حصن ضد التهديد الدولي لتنظيم الدولة، لذلك قدم الإيرانيون الأسلحة (والتوجيه في بعض الحالات) لمختلف المليشيات السورية لمهاجمة المواقع الأميركية في سوريا”.
هدوء أم تصعيد؟
يقول روش إن “هناك مؤشرات على أن مختلف المليشيات السورية التي ترعاها إيران ربما تكون قد وزعت قدراتها العسكرية بين المنشآت المدنية، وذلك لردع الولايات المتحدة عن شن هجمات كبرى من شأنها أن تتسبب في سقوط ضحايا مدنيين، وهذه هي الممارسة التي يستخدمها حزب الله اللبناني وربما تكون قد ردعت ضربة كبيرة عاجزة ضد المصالح الإيرانية”.
ويتابع “مع ذلك، فإن كلا الجانبين قد حصر عمله في سوريا، وإذا ضربت إيران المصالح الأميركية في العراق أو في أي مكان آخر فمن المحتمل أن ترد الولايات المتحدة مباشرة ضد هدف إيراني خارج سوريا كعلامة على وجود ردع. وكما حدث سابقا، سيعلن الوكلاء الإيرانيون تحديهم للشيطان الأكبر ويعودون إلى الظل”.
تزامن مع بدء تأهيل نظام الأسد
وتربط باربرا سلافين هذا التصعيد مع تزايد الدلائل على أن سوريا سيعاد تأهيلها وقبولها في المنظومة العربية، ويبدو أن هذه المليشيات اعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب لتذكير واشنطن بأنها تتدخل في سوريا ضد رغبات نظام الأسد ورعاته الإيرانيين.
وتشير كذلك إلى أن “من المحتمل أن يكون الاتفاق الإيراني السعودي الذي أعلن أخيرا والوعد السعودي باستعادة العلاقات مع سوريا بعد شهر رمضان من العوامل المؤثرة في التوقيت”.
وتتوقع سلافين “مزيدا من الاشتباكات في المستقبل القريب؛ بعد أن انتهت هذه الحلقة من الاشتباكات في الوقت الحالي”.
ويشير جودت بهجت إلى أن القادة الإيرانيين “لطالما دعوا إلى انسحاب القوات الأميركية من الشرق الأوسط بأكمله واستخدموا دائما طائراتهم من دون طيار وصواريخهم وزوارقهم السريعة وقدراتهم السيبرانية لإثبات وجهة نظرهم، وفي الوقت نفسه أصر كبار المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم الرئيس بايدن، دائما على أن الولايات المتحدة ستحافظ على وجود قوي في الشرق الأوسط”.
ويؤكد جودت أن “كلا من طهران وواشنطن لا تسعى إلى حرب شاملة، ومن المرجح أن تحاولا تهدئة الأزمة الحالية ومن غير المرجح أن توقفا هجماتهما وهجماتهما المضادة. والتحدي هو أن هذه البيئة المهتزة يمكن أن تثبت أنها غير مستدامة وتفتح الباب أمام سوء التقدير”.
وعند سؤاله عن الهجمات المتبادلة بين المليشيات التابعة لإيران وواشنطن، رد وزير الدفاع السابق مارك إسبر بالقول إن “السؤال الأكبر الذي يلوح في الأفق هو: ما الذي يحدث مع إيران وجهودها النووية؟ وقد سمعنا بعض الأخبار المقلقة اليوم بأنها ربما تقترب أكثر فأكثر من امتلاك يورانيوم عالي التخصيب، وربما تكون قد تمتلك بالفعل القدرة على إنتاج قنبلة نووية”، وذلك في حديث مع شبكة “سي إن إن” (CNN) الأميركية.