القدس المحتلة- مخاوف عديدة أثارتها توجهات التيار الديني اليميني المتطرف الحاكم في إسرائيل، التي تتبدى في مضي حكومة بنيامين نتنياهو نحو المصادقة النهائية على التعديلات القضائية، وإحداث تغيير جوهري في نظام الحكم، وترسيخ الهوية اليهودية للدولة، وتعزيز التعاليم الدينية التوراتية في الحياة اليومية ونظام الحكم.
وينذر هذا التوجه الحكومي -الذي يعتمد على اليمين الديني المتطرف وتيار المستوطنين والصهيونية الدينية- بتعميق الشرخ في المجتمع الداخلي، واحتدام الصراع لحد المواجهة الداخلية في ظل اتساع رقعة الاحتجاجات التي تقودها المعارضة الإسرائيلية الممثلة في معسكر اليسار الصهيوني والوسط والتيار العلماني الليبرالي.
وتشير تصريحات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بشأن الشعب الفلسطيني، ونظرته المستقبلية للأردن، وكذلك نهج وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير تجاه القدس والأقصى، إلى أن إسرائيل تتجه إلى تصعيد أكبر وتصادم أوسع مع المجتمع الفلسطيني، وتأزم العلاقات مع دول الجوار، الأمر الذي سيرفع من حدة الاحتقان والتوتر الداخلي والإقليمي، وهو ما سينعكس على المجتمع الإسرائيلي أيضا.
ويرى محللون أن قادة حكومة اليمين يشكلون خطرا على إسرائيل نفسها، ويتضح ذلك من خلال تصريحات الوزير سموتريتش عندما دعا إلى “محو بلدة حوارة” الفلسطينية بأكملها، قبل أن يعتذر تحت وطأة الجدل المحلي والدولي، فهذا التيار الذي يمثله بن غفير وسموتريتش لا يعترف بالشعب الفلسطيني ولا بأي من حقوقه، ويشجع على تهجيره وطرده.
الأيديولوجيا تحكم
وبشأن سلوك حكومة نتنياهو ونهجها إزاء الفلسطينيين والأردن، يعتقد الإعلامي الإسرائيلي يواف شطيرن المختص بالشؤون العربية والفلسطينية أن “هذا السلوك ليس صدفة، بل يعكس الموقف الرسمي للائتلاف الحكومي والصهيونية الدينية والحريديم وتيار المستوطنين”.
وأوضح أن الائتلاف الحاكم -الذي يعتمد على التوجه الصهيوني الديني- لا يعترف أصلا بوجود الشعب الفلسطيني، ويدفع نحو دولة يهودية تحتكم لتشريعات التوراة والتأسيس لما يُسميها “أرض إسرائيل الكبرى”.
ورغم مسارعة الخارجية الإسرائيلية للتنصل من تصريحات سموتريتش خشية تدهور العلاقات مع الأردن، فإن شطيرن يؤكد للجزيرة نت أن تطورات الأمور تنذر بتأزم مرتقب في العلاقات بين إسرائيل من جهة، والأردن والفلسطينيين من جهة أخرى.
وعزا شطيرن سيناريو التصعيد وتأزم علاقات إسرائيل الإقليمية إلى الأيديولوجيا والمعتقدات التي تفرضها أحزاب الائتلاف، سواء على خارطة السياسة الإسرائيلية الداخلية أو مع الفلسطينيين والأردن.
وأوضح أن هذه الأيديولوجية الدينية التوراتية والإصلاحات القضائية تجاوزت الخطوط الحمراء كافة، وهو ما يدفع أميركا والاتحاد الأوروبي لممارسة ضغوطات على حكومة نتنياهو -التي تنسجم وتتماهى مع أيديولوجيا الصهيونية والدينية والحريديم وتيار المستوطنين- إذ لا يمكن توقع تداعيات سياسة هذه الحكومة داخليا وإقليميا.
وأكد شطيرن أن هذه الحكومة تهدف من خلال التعديلات القضائية لتغيير نظام الحكم في إسرائيل، وتحصين نتنياهو وإلغاء محاكمته، وكذلك شرعنة رئيس حزب شاس أرييه درعي، الذي سبق أن سُجن بملفات فساد.
وتابع أن هذه التغييرات تسهم في تصفية القضية الفلسطينية، وتقويض أي تشريعات تعرقل المشروع الاستيطاني ومخطط الضم وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، إضافة إلى كونها تعزز فكرة “أرض إسرائيل الكبرى” على حساب الوجود الفلسطيني والعربي.
ويتوقع الإعلامي الإسرائيلي أن تسهم سياسات الحكومة في إحداث تغييرات على المشهد السياسي والحزبي بإسرائيل، عبر الانقلاب على النظام القائم، وإحداث تغييرات جوهرية في هوية الدولة ونظام الحكم.
وأشار شطيرن إلى أن الائتلاف اليميني الديني المتطرف يستغل وصوله إلى الحكم من أجل حسم صراعات داخلية تتعلق بالدين والدولة، بظل تراجع معسكر اليسار والتيار العلماني.
وحيال ذلك، ومع تواصل الاحتجاجات للشهر الثالث وعدم توجه الائتلاف الحكومي لتقديم أي تنازلات ورفض أي تسوية، يرجح شطيرن أن المجتمع الإسرائيلي يتجه نحو صدام داخلي، ولا يستبعد تفككه، خصوصا إذا تحولت الاحتجاجات إلى مواجهات تفضي إلى “حرب بين الإخوة”، وسفك الدماء بين اليهود.
قلق من المستقبل
من جانبه، يرى الصحفي المختص بالشأن الإسرائيلي محمد خيري أن ما يجري في إسرائيل حاليا بالتوازي مع تصاعد التوتر الأمني مع الفلسطينيين يمكن وصفه بغير المسبوق على المستويين الداخلي والخارجي، إذ يتضح أن حكومة نتنياهو وزعامات اليمين والصهيونية الدينية باتت تسعى -ليس إلى تغيير السياسة الإسرائيلية فحسب- بل إلى تغيير المجتمع الإسرائيلي وقناعاته أيضا.
وأضاف خيري -في حديثه للجزيرة نت- أن “الخشية من المستقبل باتت تؤرق المجتمع الإسرائيلي الذي تعتقد شريحة واسعة منه أن حكومة اليمين باتت تسعى إلى تغيير جذري على صعيد المجتمع ذاته، من خلال إخضاعه عبر سلطة القانون إلى قوانين أكثر تطرفا، وهو ما يهدد بشكل فعلي ترابط هذا المجتمع”.
وأوضح خيري أن الزعماء الجدد لليمين الإسرائيلي يشكلون خطرا واضحا بسياستهم على الشعب الفلسطيني من خلال الحشد المتزايد ضده، ورفع حدة الاستنفار، وكذلك التوجيه المستمر بزيادة القمع والقتل، ولعل نسبة المجازر المرتفعة في الضفة الغربية، خاصة في نابلس وجنين، مثال واضح على سياسة هذه الحكومة.
وأشار الصحفي المختص بالشأن الإسرائيلي إلى أن سموتريتش عندما خطب في باريس، بينما كان يضع صورة خارطة فلسطين وأجزاء من الأردن ضمن خارطة إسرائيل، “كان يعلم بكل تأكيد ما سيثيره هذا الأمر، لكنه لم يعتد على إخفاء نيته، وهو من ضمن مجموعة تعتقد أن إسرائيل يجب أن تتوسع لتشمل كثيرا من أراضي فلسطين ودول عربية مجاورة”.
ويعتقد خيري أن ما يمثله فكر وطرح وأيديولوجية سموتريتش يعكس تطرف هذه الحكومة تجاه كل ما هو عربي، واستعدادها للتصادم مع الجميع إذا لزم الأمر، خاصة أن قادتها يسيرون وفق معتقدات دينية متطرفة جدا تحتكم إلى التشريعات التوراتية في “أرض إسرائيل”.
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي أن هذا التوجه يشكل خطرا فعليا على الشعب الفلسطيني، خاصة في الضفة الغربية والقدس، ويدفع نحو الصدام والتفكك الداخلي بالمجتمع الإسرائيلي، ولعله يشكل خطرا على المنطقة بأسرها، ويُدخل إسرائيل في صراع ممتد أكبر من مجرد صراع مع الشعب الفلسطيني.