استهدفت الأقلية المسلمة والداليت.. أوتار براديش مختبر أيديولوجية التفوق الهندوسي
في ظل حكم راهب متطرف منذ عام 2017، أصبحت ولاية أوتار براديش الهندية مختبر “الهندوتفا”؛ تلك الأيديولوجية التي تدعو إلى التفوق الهندوسي. ومنذ ذلك الحين تضاعفت أعمال العنف في هذه الولاية ضد الأقليات الدينية و”الأنجاس”، خاصة الأقلية المسلمة وطبقة الداليت (المنبوذين)، وإن كانت هذه الطبقة الأخيرة بدأت تتحرك وتنظم نفسها للدفاع عن حقوقها، فهل انطلقت ثورة المنبوذين في الهند؟
بهذه المقدمة افتتحت صحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) الفرنسية تقريرا مطولا، حاولت فيه مراسلتها سيليا ميرسييه إلقاء الضوء على معاناة طبقة الداليت التي تتولى المهن الدنيا وتتعرض للعنف باستمرار، حتى إن ربع الجرائم المسجلة في البلاد عام 2021 كانت ضد الداليت في ولاية أوتار براديش.
يتولى مجتمع من المنبوذين -حسب تقرير الصحيفة- مسؤولية حرق الجثث وتلك الطقوس التي تقام في مكان حرق الجثث منذ ألف عام على طول نهر الغانج، لتحرير أرواح المتوفين تحريرا نهائيا من دورة التناسخ.
ويقول ميثون شوداري وهو عضو في هذه الطبقة “لقد سئمنا جميعا من هذا العمل؛ يدفعك إلى الجنون عند رؤية الجثث المتحللة والأجساد المتعفنة، تحرقنا ألسنة اللهب ويخنقنا الدخان. على أي حال، مع هذه الوظيفة لن تعيش طويلا”.
التمييز والإقصاء
يود ميثون أن يتوقف عن هذا العمل، ولكن هذه هي وسيلة عيشهم، ومهنتهم في طقوس الجنازة التي تعدّ “نجسة” تجعلهم على هامش المجتمع؛ “لا أحد يأتي إلى منازلنا ويشاركنا طعامنا الذي يطهى على نار محرقة الموتى، ونحن لا نذهب إلى الطبقات العليا ولا نشرب مياههم، ونبقى على مسافة منهم. حتى عندما يدفع لنا أحد البراهمان (الطبقة العليا) مالا فإنه يرميه في أيدينا دون أن يلمسنا، رغم أنه في ساعة الموت مهما كانت طبقتك ستجد نفسك بين أيدي المنبوذين من أجل الطقوس الأخيرة”.
ويشترك المنبوذون في الهند في المعاناة من الفصل العنصري، ويُطلق عليهم الداليت، ويمثلون 16% من السكان، وحرام عليهم وظائف الطبقات الاجتماعية الوراثية الأربع للديانة الهندوسية، فلا يكونون كهنة ولا محاربين ولا تجارا ولا خدّاما، لأنهم يعدّون تاريخيا “أنجاسا”، وهم في أسفل السلم الاجتماعي، ويعملون في المهن المهينة، كصناعة الأحذية والدباغة وجمع القمامة وغسل الملابس والصيد.
ورغم أن دستور عام 1950، الذي كان مهندسه بهيمراو أمبيدكار من طبقة المنبوذين، قد حظر رسميا التمييز الطبقي وألغى النبذ، وحجز للداليت مناصب في الخدمة العامة وأماكن في الجامعات ومقاعد في المجالس، وسمح لهم نظريا بالصعود الاجتماعي، فإن الحقيقة المرة هي أن المجتمع الهندي لا يزال يحكمه نظام طبقي صارم.
معمل الهندوسية
ومع وصول حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي إلى السلطة عام 2014، تدهور الوضع تدريجيا حسب منظمة “هيومن رايتس ووتش” غير الحكومية التي ترى أن حزب بهاراتيا جاناتا “يروّج بقوة لأيديولوجية هندوسية تعرّض الأقليات الدينية والداليت والمجتمعات القبلية لخطر متزايد من التمييز والعنف”، وقد أصبحت ولاية أوتار براديش منذ عام 2017 مختبرا لهذه الأيديولوجية، تحت حكم الراهب المتطرف يوغي أديتياناث الذي ينتمي لطبقة التاكور العليا من ملاك الأراضي، ويعمل لتعزيز التفوق الهندوسي بوحشية.
ومع أن حملة القمع التي تمارسها حكومته استهدفت الأقلية المسلمة بوجه خاص، فإنها كذلك أجّجت الانقسامات المجتمعية. وتلخص قضية قرية هتراس عام 2020 وضع الداليت تحت حكم يوغي أديتياناث، حسب مينا كوتوال مؤسس موقع موكناياك (Mooknayak) على الإنترنت، وذلك أن 4 رجال من طبقة التاكور اغتصبوا فتاة من طبقة الداليت وماتت بسببهم، ولكن الشرطة المحلية التي تباطأت في تسجيل الشكوى نفت أن يكون الاغتصاب حدث وأحرق جثمان الفتاة دون إعلام أهلها، وبدلا من إدانة الجريمة قال يوغي أديتياناث إن الاحتجاج على القضية كان “مؤامرة دولية” لتشويه صورة حكومته.
تزايد التوتر
من جانبه، يقول ساتيا بهارتي (30 عاما) وهو مراسل لموكناياك من الداليت يسافر بكاميرا هاتفه وميكروفونه “من خلال عملي الميداني، أدركت مدى عمق التمييز لا سيما في القرى. في بعض الأحيان لا أذكر طبقتي عندما أقوم بإعداد التقارير، وإلا لما استقبلت استقبالا جيدا في مقابلات معينة”، مضيفا أن “صعود حزب بهاراتيا جاناتا قد غذى الانقسامات في السنوات الأخيرة وزاد من التوتر بين الداليت والتاكور الذين يريدون بسط قوتهم وتفوقهم”.
ويروي هذا الصحفي الشاب أخبار الضرب والاغتصاب والقتل، مشيرا إلى أن شابا من الداليت تعرض للضرب بوحشية لأنه لمس طبق رجل من الطبقة العليا خلال حفل زفاف، وأن موكب عرس من الداليت هاجمه نحو 50 فردًا من الطبقة العليا.
لا يزال الفصل الاجتماعي يتجلى في أشكال عديدة -حسب المراسلة- حيث يوجد حد غير مرئي يفصل بين منازل الداليت والمساكن الأخرى، مع حظر وصول هؤلاء المنبوذين إلى الآبار العامة والمعابد وبعض المتاجر، كما أن أطفالهم في المدرسة يتعرضون للإهانات، وذلك مع صعوبة حصول ضحاياهم على العدالة، رغم سنّ قانون محدد لمنع الجرائم ضد الداليت عام 1989.
المدافعون الجدد عن الحقوق
وبسبب بطء الإجراءات ومعاناة العمال اليومية من هذه الطبقة الدنيا في متابعة شكاواهم، مما يضطرهم إلى التنازل غالبا، أنشأ شاندرا شيخار آزاد (36 عاما)، وهو محام من الداليت، ما سماه “جيش بهيم” أو “جيش بيمراو أمبيدكار” في عام 2015 في شمال أوتار براديش، وتنظم قواته مظاهرات وتهرع إلى دعم الضحايا عند وقوع حادث، ولإجبار الشرطة على التحقيق، إلا أن “الشرطة والسلطات تكون إلى جانب المتهم وليس الضحية. ورغم ذلك يعد وجود هذه المنظمة في المنطقة مثبطا للمهاجمين”، كما يقول المحامي.
ويقول شاندرا شيخار آزاد الذي أنشأ حزبا سياسيا عام 2020، الذي يرى في ذلك “الطريقة الوحيدة لتغيير الأمور حقا”، إن السلطات بسطت مخالبها لمواجهة نشاطه غير المرغوب فيه، موضحا “في أوتار براديش وحدها هناك 31 تهمة ضدي. تحاول الدولة إسكاتي، وطلباتي للحصول على جواز سفر تُرفض بشكل منهجي”.
“ضعوا حدا للإذلال”
ولأن المدارس مكان للعنف والإذلال -كما تقول المراسلة- يقوم “جيش بهيم” بعمل ميداني لتعليم الأطفال. يقول المحامي “لقد أنشأنا أكثر من 300 مدرسة لتقديم الدعم التعليمي، نحاول تثقيف مجتمعنا حتى يتمكنوا من مواجهة تحديات العالم الخارجي. يقدم الدورات متطوعون، يعطون دروسا في الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية بعد ساعات الدوام المدرسي. الداليت ليسوا ضعفاء، يجب أن نكافح من أجل الحصول على حقوقنا الدستورية حقا”.
وأشارت المراسلة إلى مظاهرات تنظمها نساء من طبقة “فالميكي” التي كان عليها تفريغ المراحيض الجافة للطبقات العليا يدويا، قبل تركيب المراحيض الحديثة، وقد حظر قانون صدر عام 1993 نظريا هذا العمل غير اللائق، ولكن لم تأت أي مساعدة من الدولة.
ويتقدم المتظاهرون وهم يهتفون “توقفوا عن قتلنا”. يقول مايانك جينجيوت (32 عاما)، وهو عضو في منظمة غير حكومية، ومنظم المظاهرة “يجب أن يستعيد مجتمعنا كرامته، ولم يعد بإمكاننا قبول موت الداليت بسبب هذا العمل. يحيا أمبيدكار!”، في إشارة إلى زعيمهم الذي رفع شأنهم في الدستور.