موسكو- أهمية كبيرة تحملها زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو، والتي ستستغرق 3 أيام، وهي الزيارة الخارجية الأولى له منذ إعادة انتخابه رئيسا للبلاد لولاية ثالثة.
ووفقا ليوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي، ستركز المحادثات التي من المقرر أن تبدأ غدا الثلاثاء على التعاون العسكري التقني، والطاقة التي تمثل على ما يبدو حصة الأسد من التجارة بين البلدين، والتي ازدادت أهميتها في ضوء القيود الغربية على روسيا.
وتحظى هذه الزيارة باهتمام كبير كذلك لدى المراقبين نظرا للظروف التي تأتي فيها، ومستوى التعاون والتفاهم غير المسبوق في العلاقات بين موسكو وبكين، وكذلك لارتباطها بالحديث عن مبادرة صينية لحل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا.
وعلاوة على ذلك، من المقرر أن يعقد الرئيس الصيني اجتماعا عبر الإنترنت مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد ختام زيارته لموسكو.
علاقات متطورة
وشهدت العلاقات بين روسيا والصين تطورا كبيرا على جميع المسارات، فإلى جانب الشقين السياسي والاقتصادي طورت موسكو وبكين التعاون العسكري بينهما، ففي عام 2019 كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده ساعدت الصين في تطوير نظام إنذار للهجوم الصاروخي.
وبسبب شراء الصين من روسيا أنظمة “إس-400” (S-400) ومقاتلات “إس يو-35” (Su-35) في عام 2018 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على لي شانغ فو الذي تم تعيينه وزيرا للدفاع الأسبوع الماضي.
ومع تواصل ما تسميها روسيا العملية العسكرية في أوكرانيا وتنامي الأزمة في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة يشير خبراء روس إلى تحول في التوازن في هذا المثلث، فالصين -من جهة- هي المستفيد الرئيسي من ضغوط العقوبات، كما أنها أصبحت سوق المبيعات الأكبر في روسيا.
في المقابل، تشكل علاقات الصين الوثيقة مع روسيا -والتي تعززت مع تنامي الصراع في أوكرانيا- خطرا في الوقت ذاته على علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا.
مبادرة سلام
وبحسب الخبير في العلاقات الدولية ألكسندر كونكوف، فإن ذلك يشكل أحد الأسباب التي دفعت الصين لطرح مبادرة سلام بين موسكو وكييف.
وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد كونكوف أنه إذا كان في الماضي يمكن التهكم على أي خطة سلام تقترحها بكين فإنه نظرا للثقل الضخم الذي تتمتع به الآن فإن أي مبادرة قد تطرحها في هذا السياق -ولا سيما بعد دورها في حلحلة الأزمة بين السعودية وإيران- ستكون لها “جاذبية من قبل كثير من الأطراف المعنية، باستثناء الغرب غير المرتاح لتنامي الدور الصيني”، حسب رأيه.
ووفقا لكونكوف، فإن روسيا والصين تحاولان صياغة مفاهيم جديدة لتطور العالم المعاصر، بحيث يكون بدون عقوبات وحواجز أو قيود جمركية، لمواجهة الأخطار المشتركة نتيجة تردي العلاقات مع واشنطن.
يشار إلى أن وزارة الخارجية الصينية كانت قد طرحت في فبراير/شباط الماضي مبادرة من 12 بندا تضمنت موقفها بشأن تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية، ومن أبرز نقاطها:
- احترام سيادة وسلامة أراضي جميع الدول.
- استئناف الحوار المباشر بين موسكو وكييف.
- الدعوة لمنع المزيد من التصعيد.
وبينما كانت موسكو “متحفظة” في التعبير عن “إيجابية” المبادرة سارعت المنظومة الغربية إلى انتقادها، ووصفتها بأنها موالية لروسيا بشكل علني.
لكن المقترحات الصينية لا تهدف إلى دعم موسكو حسب الباحث في مركز الدراسات والتوقعات السياسية بمعهد الصين وآسيا المعاصرة فلاديمير بورتياكوف، لأن البند الأول فيها يدعو للعودة إلى حدود عام 1991، وهو البند الذي لن يجعلها مقبولة من قبل الكرملين.
ووفقا لبورتياكوف، فإن زيارة الرئيس الصيني تأتي لتأكيد دعم العلاقات الثنائية ونقلها إلى مستوى جديد من التفاهم رغم ما يمكن أن يتخلل ذلك من تبادل جوهري للآراء بشأن الوضع في أوكرانيا وآفاق التغلب على الأزمة.
الاقتصاد أولا
لكن بغض النظر عن مستقبل المبادرة الصينية بشأن أوكرانيا وردود الأفعال بشأنها يبقى الشق الاقتصادي هو الحاضر الأبرز في زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو، ففي عام 2022 سجلت التجارة البينية بين روسيا والصين رقما قياسيا بلغ 190 مليار دولار، مرتفعا عن مبلغ 147 مليارا الذي حققه في عام 2021، ويرجع ذلك إلى حد كبير للزيادة الكبيرة في أسعار السلع الأساسية الروسية خلال العام الماضي.
كما سجلت عمليات تسليم البضائع الصينية إلى روسيا في عام 2022 رقما قياسيا جديدا بلغ 76 مليار دولار، بزيادة قدرها 13% عن 2021.
وعلى هذا الأساس تعد روسيا الآن -في ما يتعلق بالواردات- الدولة الأكثر اعتمادا على الصين أو الثانية -على أقل تقدير- بعد كوريا الشمالية.
ويأتي ذلك رغم أنه بالنسبة للصين -المصدّر الأول في العالم منذ عام 2009 (إجمالي الصادرات في عام 2022 بلغ 3.6 تريليونات دولار)- تعد التجارة مع موسكو ذات قيمة أقل أهمية بكثير، ففي نهاية عام 2022 شكلت روسيا حوالي 2% من إجمالي الصادرات الصينية للخارج، و3% من إجمالي تجارة الصين مع جميع الدول.
ومن اللافت أيضا ارتفاع دور اليوان الصيني بشكل كبير في الاقتصاد الروسي الذي يواجه قيودا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على معاملات الصرف الأجنبي.
ووفقا للبنك المركزي الروسي، فقد قفزت حصة اليوان في تسويات التجارة الخارجية للصادرات إلى 16%، والواردات إلى 23% (مقارنة بـ4% في بداية عام 2022).
وتمثل الأصول المقومة باليوان الآن حوالي نصف السيولة الإجمالية لصندوق الرعاية الوطنية في روسيا، كما زادت أحجام التداول الشهرية للعملة الصينية في بورصة موسكو عشرات المرات متبوعة ببيانات البورصة.
لكن الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون يشير -في حديث للجزيرة نت- إلى أن الاقتصاد الصيني من حيث الناتج المحلي الإجمالي أقوى بـ10 مرات من الاقتصاد الروسي، وعليه فإن “قانون الجاذبية الاقتصادية لا يرحم هنا، فالاقتصادات الكبيرة عادة ما تجذب الاقتصادات الأصغر”.
وبرأيه، فإن التعاون الاقتصادي بين روسيا والصين سيكون في النهاية أكثر فائدة للأخيرة رغم أن روسيا تعتبر تعزيز العلاقات مع الصين أحد أهم عوامل مواجهة العقوبات الغربية وتبعاتها.