مراسلو الجزيرة نت
أربيل– بعد نحو عام من الخلافات السياسية والمفاوضات التي رعتها بعثة الأمم المتحدة ببغداد وأربيل، وبعد ضغوط دولية أميركية وأوروبية؛ خطّ إقليم كردستان العراق أولى خطواته لفكّ الخناق عن نفسه سياسيا، بعد أن حددت رئاسة الإقليم موعدا لإجراء انتخابات برلمان كردستان بدورته السادسة في 18 نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وتوصّلت 7 أحزاب كردية -على رأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني، وأحزاب أخرى تحظى بنفوذ واسع- لاتفاق على إجراء الانتخابات بعد أكثر من عام على الخلافات التي عصفت بالوضع السياسي، وكان على رأسها آلية توزيع الدوائر الانتخابية وسجل الناخبين في مختلف مناطق الإقليم.
مخاض عسير
وتمخّض الاتفاق عن إجراء الانتخابات وفق 4 دوائر انتخابية، بواقع دائرة لكل محافظة من محافظات الإقليم الأربع؛ وهي أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة، مع الاعتماد على سجلات الناخبين للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، وبيانات وزارة التخطيط الاتحادية لتحديد نسبة مقاعد المحافظات، مع الاتفاق على مراقبة الانتخابات من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومفوضية الانتخابات الاتحادية.
وأجرى الإقليم حتى الآن 5 انتخابات برلمانية؛ كانت الأولى عام 1992، والثانية عام 2005، أما الثالثة فقد عقدت في 2009، وتلتها الانتخابات الرابعة عام 2013، ثم الخامسة والأخيرة عام 2018، في الوقت الذي شهدت فيه الانتخابات الأخيرة مشاركة 59% من مجموع من يحق لهم التصويت داخل الإقليم.
كما شارك في انتخابات عام 2018 ما مجموعه 29 قائمة وكيانا سياسيا، في حين استطاعت 16 قائمة فقط الحصول على مقاعد في البرلمان البالغة 111 مقعدًا، منها 11 مُخصصة للأقليات القومية والدينية (الكوتا) موزعة على التركمان بـ5 مقاعد ومثلها للمسيحيين ومقعد واحد للأرمن.
وتعرّض الإقليم طوال الأشهر الماضية لانتقادات حادة داخلية ودولية بسبب تأجيله الانتخابات، لا سيما بعد أن وقّع رئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني في 24 فبراير/شباط 2022 أمرا تنفيذيا يقضي بتحديد الأول من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي موعدًا لإجراء انتخابات الدورة السادسة لبرلمان كردستان، إلا أنه تم تأجيلها بعد أن صوّت برلمان الإقليم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على تمديد عمره التشريعي وتأجيل الانتخابات عاما واحدا فقط، على أن يتم إجراؤها خلال العام الجاري مع انتخابات مجالس المحافظات.
أبرز الخلافات
ولا يبدو عضو الاتحاد الوطني الكردستاني فائق يزيدي متفائلا من إمكانية أن تسهم الانتخابات في إنهاء أو حلحلة أزمات كردستان السياسية، لا سيما ما يتعلق بالخلافات بين الحزبين الرئيسيين.
ويقول “إن تحديد موعد الانتخابات كان إجراء فرديا من الحزب الديمقراطي الكردستاني تحت عباءة رئاسة الإقليم من دون العودة إلى شريكه الأساسي وهو الاتحاد الوطني أو استشارته على الأقل، رغم الاجتماعات السابقة بين الطرفين للاتفاق على نقاط رئيسية من أجل إجراء الانتخابات وتحديد موعدها”.
ويحصر يزيدي -في حديثه للجزيرة نت- أبرز تلك النقاط في تعديل قانون الانتخابات أولا بحيث يُقسم الإقليم إلى 4 دوائر انتخابية، بالإضافة إلى تحديث وتنظيف سجلات الناخبين، حسب تعبيره.
ويضيف “انتخابات كردستان هي الوحيدة في العالم التي يصوِّت فيها الموتى منذ أكثر من عقدين”، في إشارة منه إلى ما يعده عمليات تزوير تحصل في سجلات الناخبين، مؤكدا أن حزبه لن يقبل إجراء انتخابات شكلية لا تعتمد قانونا يضمن حقوق الجميع، وفق تعبيره.
وخلافًا لرأي يزيدي، يرى عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني شيرزاد قاسم أن الاتفاق على قانون الانتخابات سيُمهد الطريق لحل الخلافات الأخرى بين الأحزاب الكردية تدريجيا، لا سيما بين الحزبين الرئيسيين، معلقا “الأزمة بين الحزبين الرئيسيين ليست بالشكل الظاهر في وسائل الإعلام التي تعمل على تعظيمها بصورة أكبر من الواقع”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يكشف قاسم عن إجراء العديد من المباحثات بين حزبه والاتحاد الوطني قبل تحديد موعد إجراء الانتخابات، حيث أسفرت عن جُملة من الاتفاقيات الرئيسية التي يصفها “بالضرورية”، وأبرزها إجراء الانتخابات وإعطاء الشرعية لحكومة الإقليم، فضلا عن حصول كل حزب على حقه من خلال النتائج، وفق قوله.
ويُشير قاسم إلى أن الحزبين الرئيسيين ذهبا بعدة مقترحات إلى الأحزاب الكردية الأخرى ليتم الاتفاق على العديد منها، منبها إلى أن ذلك كان حافزا قويا لتحديد رئاسة الإقليم موعد الانتخابات في 18 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، مؤكدا قرب عقد جلسة لبرلمان الإقليم -خلال الفترة المقبلة- من أجل مناقشة تعديل قانون الانتخابات الذي يتضمن بنود الاتفاقية بين الأحزاب الكردية، فضلا عن تحديد أعضاء مفوضية الانتخابات، حسب قوله.
ضغوط دولية
بدوره، لا يخفي المحلل السياسي الكردي كوران قادر تأثير الضغوط الدولية والخارجية في تحديد موعد إجراء انتخابات الإقليم، خاصة عبر ضغوط المساعدات الدولية التي تتسلمها حكومة الإقليم من بعض الدول، مثل التحالف الدولي وتلك الخاصة بقوات البشمركة.
ويشير المحلل الكردي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن أحد تلك الضغوط الدولية على الإقليم تمثلت في إصدار هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس قرارا لصالح العراق ضد تركيا في القضية المتعلقة بتصدير النفط الخام من إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي دون الرجوع لشركة تسويق النفط العراقية (سومو)، واصفًا القرار “بالضغوط المؤثرة” جدًا على الإقليم.
وبالعودة إلى إمكانية إجراء الانتخابات، يحدد المتحدث باسم مجلس المفوضين في مفوضية انتخابات الإقليم شيروان زرار توفر 5 شروط قانونية لإجراء الانتخابات، موضحا أن أولها يتمثل في إعادة تفعيل مجلس المفوضية ومنحه الثقة مجددًا من قبل البرلمان بعد أن انتهت فترته القانونية منذ عام 2019، لافتا إلى ضرورة أن يعمل البرلمان على استكمال نصاب مجلس المفوضين المتكون من 9 مقاعد من خلال تحديد من سيشغل المقعدين الشاغرين حاليا.
ويضيف أنه من مجموع 5 شروط لا بد من توفرها لإجراء الانتخابات، يتوفر حاليا شرطان اثنان فقط، وهما المرسوم الإقليمي الذي حُدد بموجبه موعد إجراء الانتخابات، والمدة الزمنية التي يجب ألا تقل عن 6 أشهر قبل موعد الانتخابات، وهو ما قد يعني واقعيا صعوبة إجراء الانتخابات في المدة التي حددتها رئاسة الإقليم، مبينا ضرورة تعديل البرلمان قانون الانتخابات وتحديد الاعتماد على نوع الدوائر الانتخابية، إضافة إلى حتمية تخصيص حكومة الإقليم موازنة خاصة للانتخابات.