مراسلو الجزيرة نت
باريس- بعد جلسة برلمانية حاسمة مساء اليوم الاثنين، نجت الحكومة الفرنسية من اقتراع بسحب الثقة عنها داخل الجمعية الوطنية (البرلمان) بفارق 9 أصوات، بعد أن لجأت في وقت سابق إلى استخدام سلاح دستوري يخولها تمرير قانون تعديل نظام التقاعد المثير للجدل، بالتزامن مع مظاهرات غاضبة في شوارع البلاد.
وافتتح ممثل مجموعة “الوسط” شارل دي كروسون جلسة البرلمان الفرنسي بالقول إن “الحكومة بلجوئها إلى المادة (49.3) اختارت الطريق السهل لتفادي التصويت العقابي”، مشيرا إلى أن قرار حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون يعكس “إنكارا للديمقراطية الاجتماعية”.
في حين حاولت رئيسة مجموعة حزب “النهضة” في الجمعية الوطنية أورور بيرجيه الدفاع عن قرار حكومة الرئيس الفرنسي، واصفة الأحزاب المعارضة بالانقسام وعدم المسؤولية.
وأضافت بيرجيه “يوجد حاكم واحد وحاكمة واحدة في البلاد ويجب اتباع قراراتهما”، معتبرة أن العدالة ستتمثل في إقرار هذا القانون.
وبعد ذلك مباشرة، وجهت رئيسة مجموعة حزب “فرنسا الأبية” ماتيلد بانوت انتقادات لاذعة لحكومة ماكرون، قائلة إن “قراركم ليست له أي قيمة.. ماكرون ليس إصلاحيا ولكنه فاسد”، مؤكدة أن “الشعب الفرنسي هو صاحب الكلمة الأخيرة”.
وأشارت بانوت إلى أن “القرار ليس ديمقراطيا أو شرعيا، وقد تم تمريره بعد محادثات خافتة في ممرات البرلمان”، مؤكدة أنه “لم تتم تسوية أي شيء.. وسيستمر كل شيء”.
من جهته، قال رئيس حزب “الجمهوريون” أوليفيه مارليكس -في كلمته- “لن نصوت لصالح حجب الثقة”. في حين استنكر رئيس المجموعة الاشتراكية في الجمعية بوريس فالو استخدام الحكومة المادة (49.3) التي تسمح باعتماد النص من دون تصويت في الجمعية الوطنية.
سيناريوهات وتداعيات
ويبدو أن نتيجة التصويت كانت خلافا لتوقعات المراقبين، كما أنها خيبت آمال المعارضة والنقابات العمالية وأعداد كبيرة من الفرنسيين الرافضين لقانون المعاشات.
وقال المحلل السياسي الفرنسي بارتيك فورستيه للجزيرة نت إن قانون إصلاح التقاعد سيبقى ساريا، متوقعا أن يستمر الفرنسيون في التظاهر.
وعند مقارنته الاحتجاجات الحالية بالاحتجاجات الطلابية في مايو/أيار 1968 وتطلع الشباب إلى مجتمع جديد آنذاك، أشار فوستيه إلى أن الفرنسيين الذين يخرجون للتظاهر اليوم أقل بكثير حتى مقارنة بما كانت عليه الحال قبل إقرار القانون.
ولا يستبعد فورستيه أن تزداد شراسة الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في الأيام المقبلة، مشددا على أن عمق المشاكل ليس سياسيا، فقط بل مجتمعيا أيضا.
ولهذا السبب، أفاد مراقبون -إضافة إلى النقابات- بأن الحكومة كان بإمكانها اللجوء إلى حلول بديلة لتعزيز نظام التقاعد ومنح مزيد من الحقوق للنساء والأشخاص الذين يعملون ساعات طويلة أو في ظروف مرهقة جسديا، لكنها لم تفعل.
ويتفق فورستيه مع رأي معارضي مشروع التعديل في أن “جميع الحلول والبدائل لم تناقش، لأن ماكرون أراد تمرير القانون بشكل سريع وبقوة”.
ويرى المحلل السياسي أن “موقف ماكرون كان -ولا يزال- متأزما بشكل ملحوظ لأنه يفتقر للأغلبية في الجمعية الوطنية وحزبه ضعيف، على عكس دورته الرئاسية الأولى، حيث كان متأكدا من أن أي مشروع قرار سيقترحه سيتم تمريره بسهولة، ولهذا السبب حاول اكتساب أصوات الحزب الجمهوري لتمرير قانون المعاشات، لكنهم تركوه في منتصف الطريق ولم يصوتوا لصالحه”.
ويرى فورستيه أنه في حال استمرت أحزاب اليسار، واليسار المتطرف، وحزب مارين لوبان، والنقابات في تشجيع الشعب على الخروج للشارع للتظاهر فقد تشهد البلاد ثورة داخلية.
وختم بالقول “إذا أردنا إسقاط الوضع الحالي مع ما روته لنا كتب التاريخ، فوضع إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه يشبه وضع آخر ملوك فرنسا الملك لويس السادس عشر، في قصره بفرساي عندما ثار عليه الشعب”.
ليست المرة الأولى
يذكر أن محاولة حجب الثقة التي تعرضت لها حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون ليست الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة؛ ففي الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1962 استقالت حكومة رئيس الوزراء جورج بومبيدو بعد تصويت بحجب الثقة، وفق ما تقتضيه المادة 50 من الدستور.
ليرد الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول بحل الجمعية الوطنية، مما أدى إلى انتخابات تشريعية مبكرة وتأكيد السلطة التنفيذية.
وسبق أن استخدمت المادة (49.3) قبل حكومة إليزابيث بورن من قِبل 15 حكومة. ومنذ التعديل الدستوري عام 2008، أصبح استخدام المادة (49.3) مقتصرا على نص واحد من التشريع لكل جلسة برلمانية، يُستثنى منها تمويل الضمان الاجتماعي أو فواتير التمويل، التي يمكن لرئيس الوزراء استخدامها من دون أي حد. لكن قبل ذلك التاريخ، كان بإمكان الحكومة اللجوء إليها في أي نص وبقدر ما تشاء.
وكانت المادة (49.3) شائعة الاستخدام في ظل الجمهورية الخامسة، فقد استخدمت 89 مرة منذ عام 1958، منها 56 مرة من قبل حكومات يسارية، و33 مرة من قبل حكومات اليمين.